في قلب الشمال التركي وفي " أوزنجول"، تحديداً حيث تتناغم الطبيعة مع السكينة، وتتمازج الغابات الكثيفة مع مياه البحيرة الهادئة، تقف أوزنجول شامخةً على ارتفاع 1100 متر عن سطح البحر، كواحدة من أجمل الوجهات السياحية في تركيا، لا سيما لدى الزوار العرب.
هذه القرية الصغيرة التي تقع في ولاية طرابزون المطلة على البحر الأسود، تحوّلت خلال السنوات الماضية إلى ملاذٍ حقيقي للهاربين من صخب المدن وحرارة الصيف في الشرق الأوسط، لتصبح واحدة من أكثر المناطق جذبًا للسياحة العائلية والطبيعية في البلاد.
الطبيعة والمناخ سر الجاذبية الأول
السر الأول في سحر أوزنجول يكمن في طقسها المعتدل وطبيعتها الآسرة. ففي حين تسجّل العواصم والمدن الكبرى في العالم العربي درجات حرارة تتجاوز الأربعين مئوية خلال شهري يوليو وأغسطس، تتمتع أوزنجول بدرجة حرارة مستقرة ومعتدلة تبلغ حوالي 24 درجة مئوية نهارًا، مصحوبة بنسمات جبليّة باردة في المساء، وهو ما يجعلها وجهة مثالية للهروب من لهيب الصيف.
تحيط بالمنطقة غابات كثيفة من أشجار الصنوبر والتنوب، كما تتدفق فيها مياه الينابيع الجبلية الصافية، وتشكل بحيرتها الشهيرة – التي حملت القرية اسمها – مركز الجذب الأول للسياح. فمجرد الوقوف أمام هذه البحيرة المحاطة بالجبال يمنح شعوراً بالسلام الداخلي، ويعيد ربط الإنسان بالطبيعة كما لو كانت هذه البقعة قطعة من الجنة.
تتزايد أعداد الزوار وأرقام تنمو رغم التحديات
بحسب بيانات رسمية من بلدية طرابزون ومصادر من مديرية الثقافة والسياحة في المنطقة، فقد استقبلت أوزنجول ما بين 108 و115 ألف سائح خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، غالبيتهم من دول الخليج العربي مثل السعودية، الكويت، قطر، البحرين، الأردن، إلى جانب الزوار من العراق، إيران، وأذربيجان.
وهذه الأرقام تُظهر زيادة واضحة بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2024، حيث زار المنطقة 95 ألف سائح فقط، وهو ما يعكس تحسّنًا في الحركة السياحية رغم التحديات التي طرأت في المنطقة، وعلى رأسها التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وتحديدًا التصعيد الأخير تجاه إيران في يونيو.
المثير للاهتمام أن معدلات الإشغال الفندقي بقيت مرتفعة، حيث تراوحت بين 70 و80% من القدرة الاستيعابية للفنادق والشقق المفروشة، وفق ما صرّحت به غرفة السياحة والفنادق في طرابزون [المصدر: وكالة الأناضول الرسمية - 03 أغسطس 2025].
الزوار العرب الرابط الثقافي والوجداني
الزوار العرب لا يأتون إلى أوزنجول فقط للاستجمام، بل لأنهم يجدون فيها شيئًا من الارتباط الثقافي والروحي. فالكثير من الزائرين يشعرون وكأنهم في وطنهم الثاني، بفضل الحفاوة التي يلقونها من السكان المحليين الذين اعتادوا على استقبال السياح العرب، وتعلموا لغتهم، ووفّروا لهم المطاعم والخدمات التي تتناسب مع عاداتهم وتقاليدهم، من الطعام الحلال إلى الخدمات الفندقية ذات الطابع العائلي.
جمال بدارني، زائر فلسطيني جاء إلى المنطقة مع أسرته، تحدث لـ”إينار نت” عن انبهاره بجمال المكان قائلاً: “سمعت كثيراً عن أوزنجول، ولكن حين رأيتها وجدت أن الصور لم توفّها حقّها. الهدوء هنا لا يُقدّر بثمن”.
أما سفيان المعيني، سائح عراقي، فأكد أن أكثر ما أدهشه هو دفء استقبال السكان: “أشعر وكأني في مدينتي، الناس هنا لطفاء جداً، والخدمات ممتازة، والطبيعة خلابة إلى درجة لا يمكن وصفها بالكلمات”.
الأنشطة الترفيهية.. متعة المغامرة والاسترخاء
بعيداً عن الاستمتاع بالمشاهد الطبيعية، تقدّم أوزنجول باقة من الأنشطة السياحية المناسبة لمختلف الفئات العمرية. من ركوب الدراجات الجبلية، والطيران الشراعي فوق البحيرة، إلى قيادة مركبات الدفع الرباعي في الطرق الوعرة، والمشي لمسافات طويلة عبر الغابات، فإن الزائر لا يشعر بالملل في هذه البقعة النادرة.
وتتوفر كذلك جولات منظمة إلى مرتفعات السلطان مراد القريبة، حيث يمكن للزوار قضاء يوم كامل وسط الضباب والمراعي الخضراء، والتمتع بمذاقات المأكولات المحلية مثل “كوفته طرابزون” و”كاهي الحطب”، وسط أجواء ريفية مفعمة بالأصالة.
السياحة العائلية والاهتمام بالخدمات
تتميّز أوزنجول بأنها وجهة صديقة للعائلات. فالفنادق والشقق المفروشة غالبًا ما توفّر أماكن لعب للأطفال، ومساحات خضراء واسعة يمكنهم فيها الاستمتاع بالأمان والحرية، إلى جانب توفير خدمات التوصيل من وإلى المطار، وبرامج سياحية خاصة تناسب الأسر.
وتحرص السلطات المحلية، بحسب ما أعلنته بلدية ألطين ديره في تموز الماضي، على تحسين البنية التحتية والخدمية في المنطقة باستمرار. حيث تم تعزيز خدمات النظافة العامة، وتكثيف الرقابة على الأسعار، إضافة إلى تطوير مسارات المشي والمرافق الصحية.