وصل وزير الخارجية السوري إسعد حسن الشيخ شبيباني، اليوم الأربعاء، إلى العاصمة التركية أنقرة، حيث التقى نظيره التركي هاكان فيدان. اللقاء الذي جرى في مقر وزارة الخارجية التركية تخلله جلسة مباحثات مغلقة، تلتها مؤتمر صحفي مشترك تناول فيه الطرفان أهم التطورات في الملف السوري، والتحديات الأمنية والسياسية التي تواجه المنطقة.
خلال المؤتمر، وجه الوزير التركي انتقادات حادة إلى ميليشيا قسد، واصفًا إياه بـ”اللاعب المخرّب” الذي يرفض الاندماج في العملية السياسية الجارية في سوريا، ويصر على تعكير أجواء الانفراج التي بدأت تتشكل في المنطقة.
قسد لا تريد الاندماج في الحكومة الجديدة
أكد فيدان أن سوريا تشهد مرحلة جديدة بعد سنوات من الحرب والفوضى، حيث توقفت عمليات القتال الواسعة، وبدأت العقوبات تخف تدريجيًا، فيما عاد العديد من اللاجئين السوريين إلى وطنهم. كما أشار إلى أن العلاقات بين دمشق ودول المنطقة، وكذلك مع المجتمع الدولي، تشهد تحسنًا ملحوظًا.
لكن الوزير التركي لفت إلى أن بعض الأطراف، وفي مقدمتها ميليشيا قسد، ما زالت ترفض الانضمام للنظام السياسي وتعمل على فرض أمر واقع جديد، مشددًا على أن هذا الموقف يمثل “تحديًا” يجب التعامل معه بحزم.
إسرائيل أكبر المستفيدين من الفوضى في سوريا
في سياق حديثه، وصف فيدان إسرائيل بأنها “أحد أكثر الأطراف تأثيرًا في المشهد المظلم بالمنطقة”، معتبرًا أن استراتيجيتها تقوم على إبقاء سوريا في حالة من عدم الاستقرار من أجل تحقيق مصالحها الأمنية الخاصة. وأضاف أن الخطوات التي تتخذها إسرائيل لا تؤثر على سوريا فحسب، بل على الدول المجاورة أيضًا.
وأشار إلى أن أنقرة دعمت سلسلة اجتماعات عُقدت في العاصمة الأردنية عمان بعد أحداث السويداء، ورحبت بجهود القبائل السورية في البحث عن حلول سلمية. لكنه شدد على أن “التدخلات الإسرائيلية” تهدف لإفشال هذه المساعي، وإطالة أمد الانقسام الداخلي.
رسائل تحذيرية لـ قسد
وجّه فيدان رسالة مباشرة لـ ميليشيات قسد، قائلاً: “نرى تحركاتكم، ونراقب محاولاتكم لتأخير الحلول. لا تظنوا أننا لا نلاحظ تلك المناورات. مكانكم الحالي ليس المكان الصحيح، وعليكم إعادة النظر في مواقفكم قبل فوات الأوان”.
وأوضح الوزير أن الميليشيات لم يلتزم ببنود اتفاق 10 مارس، ولم يتخذ خطوات لتقليل التهديدات الأمنية تجاه تركيا، مشيرًا إلى أن “هناك أطرافًا تعمل على إطالة عمر هذا الكيان، لكننا لن نسمح بأن يكون ذلك على حساب أمننا القومي أو على حساب استقرار المنطقة”.
فرصة جديدة يجب استثمارها
وأضاف فيدان أن تركيا تنظر إلى المشهد من منظور استراتيجي شامل، معتبرًا أن هناك فرصة تاريخية لإعادة بناء سوريا على أسس تحفظ حقوق جميع مكوناتها، لكن استمرار المماطلة من قبل بعض الأطراف قد يضيع هذه الفرصة.
كما دعا الأكراد السوريين إلى عدم الوقوع في فخ أن يكونوا “أداة بيد قوى خارجية”، مؤكدًا أن الوقت قد حان لإنهاء سياسة “كسب الوقت” والانخراط في مسار يخدم وحدة البلاد ومستقبلها.
موقف سوري متقارب
من جانبه، أعرب وزير الخارجية السوري إسعد حسن الشيخ شبيباني عن تقدير بلاده لموقف تركيا الداعم لوحدة سوريا وسيادتها، مؤكدًا أن المرحلة القادمة تتطلب تنسيقًا أمنيًا وسياسيًا أكبر بين الجانبين، خاصة في ملف محاربة الإرهاب، وإعادة إعمار المناطق المتضررة.
كما أشار إلى أن دمشق ترحب بأي مبادرات إقليمية أو دولية من شأنها دعم الاستقرار وإعادة اللاجئين، مشددًا على أن الحل في سوريا يجب أن يكون سوريًا-سوريًا بعيدًا عن التدخلات الخارجية السلبية.
نحو مرحلة جديدة
اللقاء بين فيدان وشبيباني يُعد من أبرز المؤشرات على تقارب تركي-سوري متسارع، بعد سنوات من القطيعة والتوتر. وبحسب مراقبين، فإن الملفات المطروحة بين البلدين تشمل:
- التعاون في مكافحة التنظيمات والميليشيات الإرهابية، وعلى رأسها قسد.
- تسهيل عودة اللاجئين السوريين.
- رفع العقوبات وتطبيع العلاقات الاقتصادية.
- التنسيق الدبلوماسي في المحافل الدولية.
ومع ذلك، فإن نجاح هذه الجهود يبقى مرتبطًا بمدى استعداد الأطراف المعنية في الداخل السوري للانخراط في العملية السياسية، ووقف محاولات تقويضها.
إرسال تعليق